حبه وشغفه لحرفة صناعة الفخار .. رشحه لدخول موسوعة جينس ..
تعد حرفة صناعة الفخار شكل من أشكال الإبداع، ونموذجاً حضارياً للتراث الفلسطيني ، لما تحمله هذه الحرفة من تكوينات تاريخية ، حيث تعد من أقدم الحرف التي عرفها التاريخ على مر الحضارات ، وتعتبر مدينة غزة صورة حية لاحتضانها التراث الفلسطيني وانطلاق هذه الحرفة من أحيائها القديمة ، وخير مثال حي " الفواخير" بالبلدة القديمة بغزة ، أطلق على هذا الحي أسم الفواخير لتواجد الكثير من الفخورات التي امتلكها أصحابها من أجدادهم وورثوها إلى أبنائهم .
فاخورة " عطاالله " يبوح المكان بالأصالة والفن الممزوج بعبق الطين ، والشمس تسدل أشعتها على القطع الفخارية لتشرق بمنظر في غاية الجمال، والأشكال الفخارية المتعددة الألوان تروى .
كينونة الأشياء بتفاصيلها الصغيرة ليكبر شعور الإنسان وإحساسه بالمكان، فاخورة " عطاالله " تروي في حناياها توريث هذه الحرفة الأصيلة من الأجداد إلى الأبناء، الابن محمود عطاالله ذات الثمانية أعوام الذي يعتبر حالة استثنائية والمرشح لدخول موسوعة جينس كأصغر طفل فواخرجي يمارس موهبة إحياء التراث ، حيث أستطاع أن يحترف هذه الحرفة رغم صغر سنه،
يسرد لي محمود قصته وحبه وشغفه في تعلم هذه الحرفة ..
عنفوان صغره ..
يروي محمود ببراءة عينيه ورقة يديه, وذكاءه الفطن, كيف استطاع أن يحترف الصناعة, ويدخل في العالم الطيني, عالم صناعة الفخار, حيث أجداده وآباءه، يتحدث بصوت يملئه الشغف والفرح, عن اكتسابه لحرفة صناعة الفخار متحدثاً : " كنت أتواجد كثيراً في فاخورة جدي كي أراقب أبي وجدي وهما منهمكان في صناعة الفخار حيث أتمعن النظر إلى أصابع أبي وهي تمتزج بالطين الملطخة بالماء، وهو يصنع أواني فخارية بأشكال متعددة ,أحببت تلك الصنعة , فطلبت من أبي وجدي أن يعلماني , أتذكر حين صنعت أول تحفة صغيرة كنت في الرابعة من العمر, كان جنوني أن ابدأ بالعمل وأضع قدمي على الآلة ويدي الأخرى في الجانب الآخر لتمتزج يداي وأدخل في متاهات الحبوب الرملية لأشكل قالبا رسمته في مخيلتي, من هنا كانت انطلاقتي إلى عالم الطين وبدأت أكبر وتكبر معي يدي ومعها أشيائي التي أصنعها وأصبحت أصنع أواني فخارية تكبرني بالطول كنت كلما صنعت شيء أطمح في أن اصنع شيئاً اكبر وأفخم منه .أحببت صناعة الفخار كهواية كي أحافظ على إرث حافظ عليه أبي وجدي كي يحافظ عليه أبني من بعدي, إلى جانب هذه الحرفة طموحي أن أدرس الطب, لأحمل فني وعلمي وحلمي وأسير".
محمود على خطى أبيه وجده
يروى أبو محمود عطاالله كيف أستطاع محمود أن يسير على خطاه قائلاً : أشعر بفخر عند الحديث عن ابني محمود , كنت أراه يجلس على الكرسي (مكان عملي) ويحاول أن يشكل بيديه الصغيرتين شيء صغير يشبهه محاولاً تقليدي ،إلا أن أقترح عليّ والدي أن أعلمه رغبةً من محمود بالتعلم , أن حب محمود لهذه الصنعة ساعده على تعلمه الحرفة بوقت قصير, على الرغم من تعلمي لهذه المهنة في عمر الثامنة عشر واندمجت فيها حتى أصبحت المهنة المحببة ومهنة الرزق.
أما جده , وهو الداعم الأكبر لمحمود , تحدث إلينا قائلا : " كنت أرى نظرات الحيرة على محمود وهو صغير , وتساؤلات تحوم فوق رأسه , عرفت من عينيه حبه لما نصنع , وشجعت ابني على أن يعلمه كما علمته في السابق، ذكاء محمود الفطري أدهشني وفاجئني , لذا كنت مصرا على أن يتعلم في سن صغيرة .
مشيراً إلى أن هذه المهنة وبعد الحصار , أصبحت مهنة فنية بمعنى آخر لم تعد تجلب نقودا , ولكن حبي لها جعلني أشجع أبنائي الشباب ومنهم البنات وأحفادي على تعلم هذه الحرفة , حتى أنه يوجد لي ابنة تدرس تحاليل طبية , تحترف صناعة الفخار وسأبني أجيال تعشق الطين ما دمت حياً.
رهام الغزالي